بائعة ! 

“لعلها بائعة لذة؟ بل لعلها بائعة أخلاق؟

إنها من ماخور “القطار الياباني”!

أذيعت في محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية آب 1949

وقطع أنور سلسلة تفكيره الموصولة ليقهقه قهقهة خفيفة مبحوحة، هي قهقهة الهازئ من هذه الفلسفة الأخلاقية التي يطالعها مكرهاً، لأنها أخلاق قذرة بقدر ما كان قذراً، وموحلة بقدر ما كان يتخبط في أوحال الحياة !.. أما الأخلاق الصحيحة، الأخلاق بمعناها الفلسفي العميق فإنها تجري في دمه حقاً، ويعيشها في يومه ولغده صدقاً…

واستقرت أنظاره على الجملة التالية التي قالها نيتشه “إنَّ الأخلاق ليست إلاّ اختراع الضعفاء لكي يقيّدوا بها سلطان الأقوياء… فلنكن حرباً على الأخلاق” !

إذن فهو ضعيف؟ أذن فأخلاقه من عمل العجز والخوَر؟.. إذن فهو جبان ؟ .. إذن …

لا لم يكن  يوماً جباناً ولا ضعيفاً ولا عاجزاً ؛ وإنما اعتنق المبادئ الأخلاقية الرفيعة بعد أن تطهَّرَ في الأوحال واقتاتَ من قاذورات الحياة ! لقد عبَّ الكأس إلى النهاية ولم يترك فيها قطرة واحدة ؛ وقبل أن يرمي كأسه تطلَّعَ في القطرات الباقية فلاحَ له ماضيه ، وتراقصت في قرارة الكأس غوانيه ؛ وكلُّ واحدة منهنَّ هازئة ماجنة عابثة، تدعوه ووجهها إلى غيره وتغازله وعينها في سواه !.. وكلّ واحدة منهنَّ لم تستطع أن تهرب بجسدها منه !.. أما اليوم فها هو ذا يحطِّمُ كأسه القذرة ويترفَّعُ عنها ؛ لأنه آمن بينه وبين نفسه أن حياة الملذَّات إنما هي من أخلاق العبيد الأرقَّاء! أما الإنسان فعليه مهمة أخرى. مهمة مقدسة مهمة إنسانية هي مهمة الفكر!

وعادت كلمات نيتشه تتراقص أمام باصرتيه وهو يحدِّقُ فيها تحديقاً مُلحَّاً مُلحفاً …

الضعف؟.. الجبن؟ .. إذن فهو ما تراجع عن حياة القوة و”البطولة” إلّا نتيجة للعجز والخوَر ؟

وشعر بنفسه يصرخ كذئب جريح : لا !

قصة-بائعة