عانس
تلكم قرعة القدر على قلب كل عانس
وضعت في ارواد 1949/3/30
أرسلت لمجلة الرسالة صباح الجمعة 1949/4/8
ونشرت في مجلة الآداب – العدد: 1 – تاريخ :1 يناير 1955 صفحة (104)
الرابط
(حوار شعري في مشهد واحد )
(هي وأمها في كوخ مهجور وسط عاصفة هوجاء)
هي – أماهُ !..
الأم – ما تبغينَ ؟
هي – أسمعُ صوتَهُ …
الأم – . منْ يا ابنتي؟
هي – أُماهُ أقْبَلَ …
الأم – منْ تُرى ؟؟
هي – أمّاهُ واعَدَني المَجيءَ .. وهذهِ خُطُواتُه في مَسْمَعي مِلءَ النُهى
قومي أطلّي ….
الأم – ما أصابكِ ؟
هي – إنهُ آتٍ ..
الأم – (بضيقٍ) ومن هوَ؟؟
هي – (حالمة) اسمعي همسَ الخُطى
هذا حفيفُ وشاحِهِ ، فكأنّهُ يختالُ سَعياً لي بِبُرْدٍ مُنْتَقى
مُتَدَثِّراً بالشوقِ يملأ عِطْفَهُ فَلَقَدْ أسَرْتُ فؤادَهُ يومَ اللّقَا
وتركتُهُ حَيرانَ ينظرُ في يدي فيرى الهناءَةَ في الأناملِ تُجتلى
الأم : بِنتاهُ .!.. ماذا تهتفين؟؟
هي : ألستِ لي ؟ أولا ترينَ الوجهَ مني قد زَهَا ؟
قد كنتُ قبلَ لقائه مَقْرُورَةً فالبَرْدُ – بَرْدُ الموتِ – في جسمي سَرى
أمي… أُحسُّ الدِّفءَ يسري في دمي لا توقدي ناراً … ففي قلبي لَظى …
الأم – بنتي .. أأنتِ مريضةٌ ؟
هي – منْ قالَ ذا؟
الأم – إني أراكِ اليومَ تَهذينَ سُدى
هي – (هامسة) قبّلتُه …
الأم – هل قلتِ شيئاً ؟
هي – لا … (مستدركة) بلى قد قُلتُ ضاقتْ بي مجالاتُ الشّقا
أماهُ قُومي ازّيني ……… فَلَعَلّهُ يَسْتاءُ إنْ لمْ يَلْقَ منا كلَّ ما ..
أماهُ هاتي جَمّليني .. واسْكُبي ماضي صِباكِ على صِباي المُجْتَبى
وأتِني بثوبِ العرسِ – ثَوبي – وافتحي “حُقَّ” العطورِ وضمِخيني بالشذى
الأم – رباهُ .. ما هذا ؟؟
هي – نعيمٌ هابطٌ
الأم – (لنفسها) لا بلْ هُراءٌ …
هي – بل عناياتُ السما
هيا اسرعي فلقدْ تقارَبَ خَطْوُهُ لا تنظري لي هكذا … ها قَدْ دَنا
(الريح تَصْفِرُ)
أماهُ .. يا ويحي .. أصيخي .. إنهُ .. البابُ يَطرقُ.. فافتحيهِ .. لا .. أنا
بلْ أنتِ قومي .. لستُ أقوى .. إنني سأُزَرِّرُ الثوبَ البهيَّ لهُ هُنا
أمي انظري .. ابقي معي .. وتَلَطَفي لا تترُكينا وَحدنا إمَا أتى …
لا .. بلْ دَعينا .. رُبما في ثَغرِهِ ما أشّْتهي منهُ إذا حلَّ اللقا ..
قومي افتحي ..
الأم – لكني لم أستمعْ
هي (بجنون) ها قدْ تكررَ طَرْقُهُ ..
الأم (بدهشة) هذا صدى ..
هي (صارخةٌ بتوسّل) – لا . لا . فهذهِ كَفّهُ مًبْحُوحةٌ طَرَقاتُها .. فلمَ التواني والوَنى ؟؟
لا تُبطئي .. هيا .. أجيبي .. أسرعي ردِي عليهِ وارحميْ .. حتى متى ؟
لو كنتُ أقوى قمتُ ..
الأم (تتحرك نحو الباب) – لا تتوهمي فالليلُ دَاجٍ ليسَ فيهِ مَنْ سَرى
هي (بإصرارٍ يائسٍ) – لكنهُ آتٍ، وهذا طَرْقُهُ إنَّ الهَوى يَسعى بهِ مهما نأى …
الأم (تعودُ خائبة) يا مُنيتي .. لا تَألمي .. وترفّقي هذا “عويلُ الريحِ” في ذاكَ الفضا ..
هي (تبتدرُ البابَ كالمجنونة)
لا .. لا .. فهذا هو .. وهذا صوتهُ أبداً يُسامرني ويدعوني إلى ..
طالَ انتظاري .. كيفَ لمْ يُقبلْ ومنْ قدْ ردّه عني وألهاهُ سُدى ؟؟
لا بدَّ أنْ يأتي .. ولكن أشتهي أنْ يَسْتَقي ماءَ الصّبا إذْ ما أتى
أماهُ ..ماذا تسمعينَ ؟ ..فليسَ ذا إعْوَالَ ريحٍ .. بَلْ “عُوَيْلَيْنَا مَعا !!!..