الأديب الشاعر
فقيد الشعر والشباب
(1956-1922)
24 شباط 1956 تاريخٌ يعني لنا الكثير، هو ذكرى انطفاءِ شمعةِ أدبٍ، وذبولِ زهرةِ شبابٍ، ورحيلِ أبٍ لمْ يسمحْ لنا القدَرُ أنْ ننهلَ من حُبِّه وأبُوَّتِه ..
لذا نطلقُ هذا الموقعَ ليكونَ باقةَ وردٍ على ضَريحِهِ، مع دمعةٍ في العين، وحَسْرةٍ في القلب، وحُبٍّ ووفاءٍ لا ينتهيان
“قيصرون ومجدولين”
التعريف بالموقع
هو صفحةٌ وضّاءةٌ من صفحاتِ الأدبِ العربيِّ الخالدِ ، بعدَ أنْ غيّبَ الموتُ ذلكَ الشابَ الشاعرَ بحادثِ طائرةٍ وهو في الرابعةِ والثلاثينَ من عُمرِهِ الحافلِ بأصيلِ العطاءِ ، الغني بفكرٍ فلسفيٍّ خلاّقٍ مُبْدِعٍ ؛ فلمُ يُمْهِلهُ القدرُ لينشرَ كلَّ أعمالِه الغزيرةِ والمتنوعةِ ، وليكونَ في مصافِ مشاهيرِ كبارِ الأدباءِ والشعراءِ .
رحلَ الأديبُ الشاعرُ، وخلَّفَ تُراثاً أديباً ثرياً ، تناولَ فيهِ فنونَ الأدبِ كافةً؛ تراثٌ كانَ لهُ أبْلَغُ التقديرِ وأطيبُ الوقعِ في نفوسِ منْ عاصرَهُ من أُدباءَ ونقَّادٍ في أربعينياتِ وخمسينياتِ القرنِ المنصرمِ !
رحلَ زهير ميرزا لكن إرثَهُ الأدبيَّ خالدٌ في ديوانِ العربِ ، باقٍ في سِفْرِ أدبِهِم .
وهذا الموقعُ ؛ إنْ هو إلا جهدٌ متواضعٌ لآلِ ميرزا لتخليدِ ذكراهُ ، وتوثيقِ تراثِ أعمالِه على تنوعها ؛ ما نُشِرَ منها وما يُنْشَرُ لأولِ مرةٍ ، وإلقاءِ الضوءِ على جوانبِ من حياتِه بزاخرِ عَطَائِها ، وتعريفِ الناسِ بهِ وبأعمالِهِ لتكونَ بينَ يديّ مُتَصَفِحِ الشبكةِ العنكبوتيةِ يَجُولُ في رِياضِها ؛ فيتعرّفُ من خلالِ هذا الموقعِ على مسيرةِ حياتِهِ ، ويتذوقُ بديعَ فنِهِ أديباً شاعراً .
وبهذهِ الكلماتِ الرقيقةِ قَدَمَ الشاعرُ لأَحَدِ أعمَالِه
الفضيلةُ العربيةُ
وَدَدْتُ لو أَنَّ شبابَ الأرضِ جميعاً، كانوا قَيْسـا ..
وَ وَدَدْتُ لو أَنَّ فتياتِ الأرضِ جميعـاً، كُنَّ ليــلى ..
إذاَ لَبَـــرِئـــتِ الأرضُ مـــــن رِجْـــــسِ الخــطــيئـــــة ..
ولاسـتَحَمّـتِ الأَنفـسُ في مــاءِ الطّـهْرِ والحيــــاة ..
السيرة الذاتية
مَشاهِد منْ سِيرَةِ الأديبِ
زهير ميرزا
أديبٌ شاعرٌ سوريٌ . ولدَ يومَ الأحدِ 1922/05/11، وتلقى تعليمَه في مدارسِ وزارةِ المعارف، لكن مَخَايلَ نُبُوغِهِ بدأتْ وهو في المرحلةِ الابتدائيةِ، إذْ كانَ يُصدرُ مجلاتٍ أسبوعيةً دوريةً؛ يسْطرُها بجميلِ خَطِّهِ ، ويُؤلِّفُ مَوادَّها وفقرَاتِها بنفسهِ، ويُزَيِّنُها بِرُسومِ رِيشَتِهِ، بعدَ أنْ يملأَ صفحَاتِها بِمِدادِ قلَمِهِ ؛ يصوغَ غَنِيَّ فِكْرِهِ ، منها مجلةُ الينبوع ، التي أصدَرَها وهو طالبٌ في الصفِّ الخامسِ الابتدائي
كانَ رحمهُ اللهُ – أديباً شاعراً مُتعددَ المواهبِ ؛ موسيقيٌ ورسامٌ وخطّاطٌ ، ومسرحيٌّ وقاصٌ ، تُغَلِّفُ قصائِدَهُ نَزْعَةٌ فلسفيةٌ ، فضلاً عنْ قوةِ التصويرِ والغوصِ في أعماقِ النفسِ البشريةِ ، مما يَدلُّ على سعةِ اطلاعهِ وعمقِ ثقافتِهِ . فهو مطبوعٌ مرهفُ الحِسِّ، أُوتِيَ معَ مَوهِبَتِهِ الشِعْريةِ ريشةَ فنانٍ ذي باعٍ في رسمِ ما يجولُ في خيالِهِ ، ووترَ عودٍ ترتاحُ إليهِ نفسُهُ ، وتطربُ لهُ نفوسُ سامِعيهِ بهمةِ طَموحٍ ، و عزيمةِ عصاميٍّ ، صقلَ موهبَتَهُ ؛ مقبلاً على كُتُب أعلامِ كُتّابِ الأدب ينهلُ منها السموَّ الأدبيّ ، يجولُ في دنيا الثقافة بتنوعِ مشارِبِها ، و يتذوقُ في سطورِها رصينَ العبارةِ ؛ فقد كان قارئاً نهماً لأُمهاتِ الكتبِ العربيةِ والأجنبيةِ؛ حيث إنه أجاد اللغتين الانكليزيةَ والفرنسيةَ بالإضافة إلى العربية
انتسبَ إلى كليةِ الآدابِ في الجامعةِ السوريةِ (جامعةُ دمشقَ، حالياً)، فلَقِيَ منْ أساتذَتِهِ التقديرَ والاهتمامَ لِما عرَفوا في شخْصهِ من نُبْلِ السَجايا، و لِما خبرَوا فيهِ من نُبوغِ شاعرٍ أديبٍ تبدَّى جليّا في أعمالهِ، وفي لقاءاتِه وفي حواراتِه معهم
شاركَ في النشاطِ الأدبيّ الفكريّ الثقافيّ الذي سادَ مصرَ و لبنانَ و سوريةَ في العقدينِ الرابعِ والخامسِ منَ القرنِ العشرين؛ و ذلكَ بنشرِهِ قصائدَهُ و مقالاته النقدية في أهمِّ المجلاتِ الأدبيةِ والثقافيةِ التي احتضنتْ جُلَّ النشاطِ الفكري والأدبي في المجتمع الثقافي العربي في ذلك الوقت، أو بتبادُلِهِ الرسائلَ مع رموزِ أدباءِ وكتّابِ وشعراءِ تلكَ الحقبةِ التي أغنتْ الفكرَ العربيَّ المعاصرَ
عملَ في مجالاتٍ عدةٍ ، فاستهلَ حياتَه بالتدريسِ في ثانويةِ السويداء ، ثم الثانوية الأهلية في دمشق ، وعملَ بعدها في الإذاعةِ السوريةِ ، و مديراً للجناحِ الثقافي في دارِ اليقظةِ العربيةِ للطباعة والنشرِ في دمشق ، ورئيس تحرير مجلتها اليقظة
بُعثَ للتدريسِ في مدينةِ الطائفِ بالمملكةِ العربيةِ السعوديةِ ، وكانَ آخرُ عملٍ تولاهُ بعدَ عودته إلى سورية مديراً للخطوط الجوية السعودية في دمشق، ومسؤولاً عن البعثةِ الطلابيةِ السعوديةِ في سوريةَ ولبنانَ
صَدَرَ عددٌ من أعماله في حياته، لكنهُ تركَ إًرْثاً مَخطوطاً غنيّاً في أغلبِ الفنونِ الادبيةِ إلّا أن القدرَ لم يمهله لنشره، كغيرِه من أعلامِ الشعراءِ العربِ المعاصرين حينئذ! وقد قام ابنه د. محمد قيصرون وابنته أ. مجدولين بجمعِ وتدقيقِ أعماله، بالتعاون مع ابن أخيه أ. معتصم زيد ميرزا، وإصدارِها في كتابٍ بعنوان “زهير ميرزا، فقيدُ الشعرِ والشبابِ” الذي قدَّمَ لهُ الشاعرُ السوري عبد القادر الحصني، كما هو واردٌ في فصلِ “ما كتبَ عنهُ” وقامتْ دارُ العائدونَ، في الأردن، بطباعته ونشره عام 2022.
سافرَ بالطائرةِ إلى حلبَ مع صهرِه لعزاءِ صديقٍ عزيزٍ . وعلى بابِ المنزل يومَ سفرِه ضَمَّهُ ابنهُ الصغير ضمةَ ابنٍ محبٍ يخشى فراقَ أبيهِ ! وكأنهُ شعرَ بحدْسِ طفلٍ أنهُ يودّعُهُ الوداعَ الأخيرَ فهمسَ بلثغةٍ : بابا ، لا تتأخرْ، سنشتاقُ إليكَ ، نحنُ بانتظاركَ !
لكنها كانتْ الرحلةَ التي لا إيابَ منها. إذ شاءَ القدرُ أن تهوي الطائرةُ التي كان عليها يوم الجمعة 24/2/1956 في رحلةِ العودة إلى دمشقَ بعد إقلاعها من حلب بعشرِ دقائق .
هَوَتْ في ربيعِ الفصولِ ، فهوتْ بربيعِ عمرِ الشاعرِ ! وله من العمرِ أربعةٌ وثلاثونَ عاماً ، مُسْدِلَةً الستارَ على حياةِ شاعرٍ لمّا يُحَقق أحلامَهُ بعد ..!!
لكن أزاهيرَ ربيعِ الشاعر الشابِ زهير ميرزا ستبقى تَضُوعُ بِعَبَقِ مَوهِبَتِهِ ، تَشهدُ على غِنى عَطائِهِ !